كتامة..غرفة انتظار الموت

عبد السلام المساتي

قبل سنة من الآن كتبت مقالا تحت عنوان “كتامة..قرية النساء” حيث النساء قوامات على الرجال وحيث أن النساء تقمن بجميع الأدوار في غياب لدور الرجل الذي كنت أعتقد بدءا أنه لا يختلف كثيرا عن الرجل الشرقي” السي السيد” أو بمعنى آخر “رجال في السرير فقط”..كنت خاطئا ومتوهما..أعتذر..
أدمنت قراءة “صامويل بكيت” حتى صرت مؤمنا أنه أكثر من يجيد الانتظار دون أن يدري و دون أن أدري ماذا ينتظر ! فجأة تهدم إيماني وكفرت بصامويل لأؤمن بالرجل الكتامي كملك للانتظار والعبث !!!
أسائل نفسي محاولا أن أفهم سيكولوجية هذا الرجل، أتابع تصرفاته وانزياح كلماته..أجده متنقلا بين هنا وهناك، بين هذه الطاولة وتلك داخل غرفة انتظار الموت حيث دخان السجائر الملفوفة يشكل سحابة غير ماطرة والحقيقة أنها تمطر عبثا وتيها وسرابا… وفي محاولة مني إسقاط الضوء على ترمينولوجية المكان، تلتقط مسامعي حروفا لا أجد لها تصنيفا أبجديا فأتحول إلى عابث بين “لسان العرب”، ” أكسفورد”، “لو روبير”,.. وغيرها من معاجم لغات الكون ..أعلن فشلي..
أرى مثقفا بين هؤلاء الرجال داخل غرفة انتظار الموت، يحمل جريدة ما، أخبروني أنها الجريدة الوحيدة التي تصل إلى المنطقة، أراه ينتقل بين عمود وآخر ويقلب الصفحات بسرعة ليصل إلى صفحة الكلمات المسهمة، يخرج قلمه الأزرق متحديا الشريف الإدريسي وقاسما على أن يهزمه هذه المرة.. يفشل في كلمة أو كلمتين ليلتحق بطاولة النرد.. لا ليلعب ولكن ليلقي خطابه في السياسة المحلية والدولية، ساردا عناوين الأعمدة التي رمقها بين صفحات الجريدة. وينهي خطابه بدخان سيجارته الكثيف متوهما في داخله أنه المعلم الثالث بعد أرسطو و الفارابي !! مات الاثنان وصديقنا المثقف مازال يجالس أشباه الأحياء بغرفة انتظار الموت، الكل ينتظر داخل هذه القاعة المنقطعة صلتها بالعالم، وحدها تلك الشاشة الكبيرة المعلقة بالجدار تحاول أن تحدث الصلة بين هؤلاء وبين عالم لا ينتظر.. ينقطع الكهرباء فتنقطع هذه المحاولة فتصير الشموع بديلا تقليديا يناسب تماما هذه الغرفة التي لا أعرف أي سبب دفع صاحبها لأن يسميها ” مقهى” ناسبا إياها لاسم المنطقة الذي لا أدري معناه ولا يدريه كل سكان الكون:” تملوكيت”!
تبدأ الحياة داخل هذه الغرفة ،عفوا، تبدأ رحلة انتظار الموت بهذه القاعة عند الحادية عشرة صباحا وتنتهي عند الحادية عشرة ليلا لتمتد صيفا إلى الثانية صباحا..لأهمس في أذن النادل :” أليس لهؤلاء زوجات و بنات؟؟” ابتسم :” عندهم ” أين هن إذن؟ لماذا لا تأتين بدورهن لغرفة انتظار الموت حتى تحدث المساواة وتتعادل الكفتان؟؟؟ أوقفت تساؤلاتي متذكرا أنهن بغرفة أخرى، وبدورهن تنتظرن الموت ولكن بتفاؤل أكبر..غرفتهن دون جدران ولا شاشة معلقة.. فوقهن السماء معلقة بها شمس غشت وتحتهن الأرض، وتحيط بهن سهول خضراء بنبتة قال ابن عمي أنها حرام ..وصمت عن ذلك خطيب الجمعة خوفا من أن يلتحق بغرفة انتظار الموت الرجالية !
Boost

Bookmark the permalink.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *