أشياء عن كتامة و أناسها

عبدالسلام المساتي

جبال اتخذت لون البياض تمردا على سواد أرادته الدولة ، كان المنظر أقرب إلى مشهد مستورد من القطب الشمالي المتجمد ،غابت الدببة البيضاء وحضر ثعلب لم تستطع الجبال أن تتأوه صرخاته ! تمردت الجبال على الواقع و أبت أن تبقى شامخة بلون السواد حيث يحسبها الناس قاتلة ،أقسمت هي على أن تجبرهم على حبها و تغيير نظرتهم السوداء..
سئمت هذه الجبال صمتها ،سئمت ثرثرة أناس يحاولون عبثا أن يصنعوا لأنفسهم حياة الثراء والرفاهية دون أدنى انتباه لمن ولما يحيط بهم !جشع لا ؟أفهمه ولا تفهمه هذه الجبال المكسية ثلجا ،و كأن الحياة طريق دون منتهى ..وكأن الحياة طريق دون منتهى ،وكأنهم و حدهم من يتواجدون بين جدران هذا العالم ،وكأن المقابر سراب لا يرونها ،وكأن الحياة لحن سرمدي يدب في أذانهم عند كل حين..هي أشياء لا يفهمها إلا الشوامخ ،سمو الأشياء ،سمو الإنسان ،سمو كل الأحياء..سمو هذه الجبال البيضاء..سمو لا يفهمه سكان هذا المكان وكأن لعنة الماضي مازالت تلاحقهم..
تلك الرصاصة الغادرة التي أصابت ظهر ذاك الطيب ما يزال صداها يدب بين سفوح هذه الجبال..هذه المياه والسيول الجارية بين هذه الساقية لم تنس “با حمو” الذي ابتلع الدليل الوحيد لينعم هؤلاء و أنعم أنا بهذا الخير و هذا الجمال..نحن لم نقدر تضحيته فأصابتنا اللعنة ؟؟! أم أنها لعنة ذاك المراكشي الذي أتانا مستغيثا فأرسلناه إلى الجبل ليعيش وحيدا بين جدران مصنوعة من زنك و قصدير،بين صخور قاسية و صوت ذئاب جائعة؟؟
لعنة من هي؟؟؟
أتذكر ذاك الغريب الهرم أخذ مسكنا من خلف المدرسة الابتدائية هناك، عاش وحيدا لسنوات،قالوا لي أن اسم أمه “رحمة”، كنت أراه مرتين في اليوم وهو يتجه لملء قنينته الصفراء بالماء من بئر يتواجد وسط الجامع..كنت أستغرب و أنا طفل لم أتجاوز التاسعة ،أليس له أبناء؟؟لماذا أتى إلى بلدتنا ؟؟هل يشرب فقط؟؟مات وحيدا قبل أن يجيبني على أسئلتي..وجدوه ميتا بمسكنه بعد أيام…ربما هي لعنته إذن؟!
لست أدري لعنة من هي، وليس للجبال التي اكتست بياضا أن تتكلم لتخبرني عن اللعنة..أي شيء أصابني و أصاب هؤلاء الكتاميين فصرنا نعشق الثرثرة ونصمت عن الحق خوفا من الدولة؟؟صرنا وصوليين ،أنانيين،متكبرين،فخورين مختالين،والحقيقة أننا سراب، وهم ،أضعف البشر،أسوء الناس..
نحن الكتاميين لا تجد بيننا متواضعا،ولا عالما ولا مثقفا..فقط ندعي المعرفة والثقافة والحال أن لعنة الجهل أصابتنا و لعنة التكبر سكنتنا منذ أن مات “با حمو”..ولم

فيلم “زيرو”..فعلا زيروووو

عبدالسلام المساتي

الصدفة فقط هي ما أجبرتني على مشاهدة فيلم “زيرو” لمخرجه نورالدين لخماري الذي يحاول أن يظهر لنا أنه يفهم أكثر مما نفهم ،وأنه يرى مغربا غير الذي نراه..يحاول أن يغرد خارج السرب حتى ننتبه له ،وهذا ما يظهر جليا من خلال فيلمه هذا الذي قام ببطولته باقة من نجوم السينما والتلفزيون بالمغرب، في مقدمتهم الهرم المرحوم محمد مجد، صلاح الدين بن موسى،سعيد باي،عزيز داداس، رفيق بوبكر ،راوية ،بشرى أهريش، مريم الزعيمي ،وداد..وغيرهم.تعمدت ذكر أغلب الأسماء لأوضح لكم أن الفيلم كوجوه كان من المفروض أن يكون قيما ويعالج قضايا حقيقية تنخر عمق المجتمع .ولكن كعادة لخماري فهو يبحث عن كل ما يحدث بالظلمة ليخرجه لنا ،يبحث عن الحالات النادرة وعن الاستثناء ليجعل منه قاعدة ويحاول أن يؤكد لنا ذلك من خلال الصورة والحوار.
الفيلم عموما يناقش فكرة إحباط الشباب وجعلهم رقم صفر(زيرو)دون محاولة لمنحهم الفرصة من أجل أن يثبتوا قدراتهم و كفاءاتهم المهنية خاصة.. و أنه إذا أتيحت لهم هذه الفرصة فقد يصبحوا “نامبر وان” داخل المجتمع. مناقشة هذه الفكرة من خلال الفيلم كانت يمكن أن تنال إعجاب الجمهور والنقاذ لو أنها تمت بأسلوب مغاير و حوار مغاير و صورة مغايرة..فمنذ اللقطة الأولى للفيلم اتخذت الكلمات النابية مكانا على لسان البطل”العاهرة”(طبعا قالها بالدارجة المغربية)ليسير على نهجه باقي الممثلين و الممثلات بقاموس نابي لم أعهده حتى في الشوارع الشعبية جدا .
لقد حز في نفسي أن أرى و أسمع محمد مجد و صلاح الدين بن موسى يرددان كلاما نابيا جدا من قبيل(ولد العاهرة..)و أن أسمع أيضا بشرى أهريش و راوية ترددان كلمات ساقطة “كالقواد”..!!أما أكثر ما أثار اشمئزازي هو مشهد سعيد باي عاريا ،ولكني بنفس الآن أشفقت لحاله لأني متأكد تماما أنه ليس حب السينما ما جعله يتعرى بل الإغراء المادي..هو نفس الأمر ينطبق على باقي الممثلين ،فليس من المنطق أن يأتي محمد مجد إلى آخر أعماله و يهدم صورته العظيمة التي بناها لسنوات طوال إلا إذا كان المقابل مغريا جدا..فالفيلم لا يحمل أية رسائل فنية .
على مدى الساعة والنصف و أنا أحاول أن أفهم ما يحاول المخرج أن يقوله لنا من خلال الحوار النابي و المشاهد الجنسية فلم أجد شيئا..
أعتقد أن السي نورالدين لجماري معجب بالمخرج المصري خالد يوسف غير أن هذا الأخير يلعب فقط بالصورة دون حوار خادش و يقدم منتوجا سينمائيا و فنيا له قيمة،أما السي لخماري فصورته و حواراته لا تقدم شيئا غير تحريك غرائز المشاهد..

كتامة..غرفة انتظار الموت

عبد السلام المساتي

قبل سنة من الآن كتبت مقالا تحت عنوان “كتامة..قرية النساء” حيث النساء قوامات على الرجال وحيث أن النساء تقمن بجميع الأدوار في غياب لدور الرجل الذي كنت أعتقد بدءا أنه لا يختلف كثيرا عن الرجل الشرقي” السي السيد” أو بمعنى آخر “رجال في السرير فقط”..كنت خاطئا ومتوهما..أعتذر..
أدمنت قراءة “صامويل بكيت” حتى صرت مؤمنا أنه أكثر من يجيد الانتظار دون أن يدري و دون أن أدري ماذا ينتظر ! فجأة تهدم إيماني وكفرت بصامويل لأؤمن بالرجل الكتامي كملك للانتظار والعبث !!!
أسائل نفسي محاولا أن أفهم سيكولوجية هذا الرجل، أتابع تصرفاته وانزياح كلماته..أجده متنقلا بين هنا وهناك، بين هذه الطاولة وتلك داخل غرفة انتظار الموت حيث دخان السجائر الملفوفة يشكل سحابة غير ماطرة والحقيقة أنها تمطر عبثا وتيها وسرابا… وفي محاولة مني إسقاط الضوء على ترمينولوجية المكان، تلتقط مسامعي حروفا لا أجد لها تصنيفا أبجديا فأتحول إلى عابث بين “لسان العرب”، ” أكسفورد”، “لو روبير”,.. وغيرها من معاجم لغات الكون ..أعلن فشلي..
أرى مثقفا بين هؤلاء الرجال داخل غرفة انتظار الموت، يحمل جريدة ما، أخبروني أنها الجريدة الوحيدة التي تصل إلى المنطقة، أراه ينتقل بين عمود وآخر ويقلب الصفحات بسرعة ليصل إلى صفحة الكلمات المسهمة، يخرج قلمه الأزرق متحديا الشريف الإدريسي وقاسما على أن يهزمه هذه المرة.. يفشل في كلمة أو كلمتين ليلتحق بطاولة النرد.. لا ليلعب ولكن ليلقي خطابه في السياسة المحلية والدولية، ساردا عناوين الأعمدة التي رمقها بين صفحات الجريدة. وينهي خطابه بدخان سيجارته الكثيف متوهما في داخله أنه المعلم الثالث بعد أرسطو و الفارابي !! مات الاثنان وصديقنا المثقف مازال يجالس أشباه الأحياء بغرفة انتظار الموت، الكل ينتظر داخل هذه القاعة المنقطعة صلتها بالعالم، وحدها تلك الشاشة الكبيرة المعلقة بالجدار تحاول أن تحدث الصلة بين هؤلاء وبين عالم لا ينتظر.. ينقطع الكهرباء فتنقطع هذه المحاولة فتصير الشموع بديلا تقليديا يناسب تماما هذه الغرفة التي لا أعرف أي سبب دفع صاحبها لأن يسميها ” مقهى” ناسبا إياها لاسم المنطقة الذي لا أدري معناه ولا يدريه كل سكان الكون:” تملوكيت”!
تبدأ الحياة داخل هذه الغرفة ،عفوا، تبدأ رحلة انتظار الموت بهذه القاعة عند الحادية عشرة صباحا وتنتهي عند الحادية عشرة ليلا لتمتد صيفا إلى الثانية صباحا..لأهمس في أذن النادل :” أليس لهؤلاء زوجات و بنات؟؟” ابتسم :” عندهم ” أين هن إذن؟ لماذا لا تأتين بدورهن لغرفة انتظار الموت حتى تحدث المساواة وتتعادل الكفتان؟؟؟ أوقفت تساؤلاتي متذكرا أنهن بغرفة أخرى، وبدورهن تنتظرن الموت ولكن بتفاؤل أكبر..غرفتهن دون جدران ولا شاشة معلقة.. فوقهن السماء معلقة بها شمس غشت وتحتهن الأرض، وتحيط بهن سهول خضراء بنبتة قال ابن عمي أنها حرام ..وصمت عن ذلك خطيب الجمعة خوفا من أن يلتحق بغرفة انتظار الموت الرجالية !
Boost

صوت الصمت

عبد السلام المساتي

أجلس بمقهى صامتة،رفقتي فتاة صامتة،أمامي سيدة صامتة،وخلفها فتاتين مراهقتين صامتتين،وعلى يمينهما شاب يداعب فتاة في صمت…وحدها خيوط دخان السجائر تحاول أن تتكلم ،مالئة المكان..
أنظر للمراهقتين وهما ترتشفان سيجارتيهما في لذة والحزن يملأ عيناهما ،نبرة الحزن بادية على محياهما.. السيدة التي أمامي في كامل زينتها ،تضع أمامها قهوة سوداء وترتشف السيجارة تلو الأخرى دون توقف..وكأنها تحاول أن تمنع عقلها من التفكير ..في نفس اللحظة ولجت المكان فتاة ترتدي البياض ،جلست طلبت القهوة وأخرجت علبة السجائر من حقيبتها وتنهدت بعمق..
سألت رفيقتي:ماذا يحدث بالمجتمع؟؟فطلبت مني أن أصمت لأنه ليس بمقدورها أن تصلح المجتمع وأنها غير قادرة على إصلاح ذاتها..فتركتها صامتة مبتعدا عنها بفكري وأحاسيسي وعيناي..حاولت أن أتدبر في المراهقتين،السيدة والمرتدية للبياض..لماذا تدخن؟؟ماذا يحدث معهن؟؟أهو ظلم المجتمع؟؟أين الأب؟أين الأم؟أين الكل؟؟أين أنت أيتها الجالسة برفقتي لا تحاولين فهمي؟؟لماذا ليس بمقدورك أن تستوعبي أني لست عاشقا للحياة التي أنت عاشقتها؟؟؟.قد أنهزم أمام مشهد..
احتسيت قهوتي بسرعة،قبلت خد رفيقتي ،دفعت للنادل وغادرت في صمت…

الاتحاد الاشتراكي الاسلامي

عبدالسلام المساتي
ما أنا متأكد منه هو أن وصول حزب العدالة والتنمية للحكم غير حسابات العديد من الأحزاب السياسية بالمغرب، بل و أجبر بعضها على تعديل بسيط في إيديولوجياتها وأفكارها ومبادئها حتى تتناسب مع التحولات التي طرأت على عقلية الشعب المغربي المحاط بتونس، مصر،ليبيا،سوريا ،اليمن..وغيرها من الدول التي حرقها البوعزيزي بدءا والمخابرات الأمريكية والإسرائيلية لاحقا ،أو ما بات يعرف فيما بعد بالربيع العربي ،وهناك من يحب تسميته بالربيع الإسلامي كونه رفع الأحزاب الإسلامية من فوق كراسي المعارضة إلى عرش الحكم،وهو الأمر الذي كان يعتبر للأمس القريب مستحيلا !!
أكتب مقالي هذا بعد ثلاثة أيام من حضوري للقاء الذي عقده حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمدينة مكناس احتفاء وتكريما لشهداء الاتحاد وفي مقدمتهم المهدي بنبركة الذي تزامن هذا اليوم مع ذكرى اختطافه(29 أكتوبر)،حضر اللقاء مجموعة من الشخصيات السياسية والحزبية في مقدمتهم رئيس البرلمان الدولي السيد عبدالواحد الراضي ،الحبيب المالكي،حسناء أبو زيد وطبعا الكاتب الأول للحزب السيد إدريس لشكر..
الأمر الغريب وغير المعهود هو أن هذا اللقاء انطلق بتلاوة آيات من الذكر الحكيم “..لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ..”،بعدها تمت قراءة الفاتحة على أرواح الشهداء(المهدي،عمر،كرينة..)ثم انطلق السيد لشكر في إلقاء خطابه الذي امتد لما يزيد عن الساعة ،أما المثير في هذا الخطاب هو استشهاد السي ادريس بآيات قرآنية وأحاديث نبوية التي اتضح أنه يحفظها عن ظهر قلب وبسلاسة !!ليعلق أحد الحاضرين ساخرا: “واش هذا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أو الاتحاد الاشتراكي الإسلامي؟؟”.
هذا التحول في لغة الحزب ليس عشوائيا ،بل هو ما أسميناه تغييرا في حسابات بعض الأحزاب بعد وصول الإسلاميين للحكم هنا و هناك ،وهو أيضا محاولة من قيادة الحزب لتلميع صورته لدى المغاربة خاصة بعد الضجة التي أحدثها لشكر ورفيقاته بعد مطالبتهم بتعديل آيات الإرث ،وتشريع الإجهاض وغيرها من المطالب التي يمكن أن يقبلها المواطن المغربي المتدين بالفطرة..
لم يعد في الاتحاد الاشتراكي شيء من رائحة اليسار وتحول لحزب إداري يميني يصطف في نفس الطابور حيث يتواجد حزب الحركة الشعبية ،الأصالة والمعاصرة،الاتحاد الدستوري،والتجمع الوطني للأحرار..هذا هو التيار الذي يقدس المناصب و يلهث وراء الكراسي في إطار ما يخدم المخزن،أما اليسار الحقيقي فيفكر بعقلية الجماعة ولا يؤمن بالزعيم والبطل. لذلك مقول أن حزب الاتحاد الاشتراكي يمكن أن يكون إسلاميا،إداريا،يمينيا وكل شيء ما عدا أن يكون يساريا لأن آخر يساري وآخر سياسي في المغرب هو الأستاذ عبدالرحمن اليوسفي منقذ المغرب.

كأس إفريقيا بين إيبولا و الزاكي

عبدالسلام المساتي

إنتظرنا لسنوات طويلة حتى يعطف علينا الإتحاد الإفريقي لكرة القدم و يمنحنا شرف تنظيم نهائيات كأس إفريقيا للأمم هنا في المغرب. إنتظرنا حتى أعتقدنا أننا بدأنا نصدق أسطورة أننا لا ننتمي إلى قارة إفريقيا!! ولكننا أخيراً حصلنا على هذا الشرف ورقص منصف الخياطي (الوزير حينها) لهذا الانجاز الذي ما هو إلا عطف من السيد عيسى حياتو الكاميروني الذي لا يمكن أن ينسى فضل المغرب عليه وهو الذي تم إجلاسه على عرش الاتحاد الإفريقي لأول مرة هنا وليس في أي مكان آخر.
ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فيأتينا من غرب إفريقيا زائر غير مرغوب فيه، مرض غريب إختاروا له من بين الأسماء هذه المرة  إسم “إيبولا”، وكان طبعاً بإمكانهم أن يسموه “إكذوبا” أو “إغبولا” ..هي أسماء سميتموها !!

المهم أن هذه الأكذوبة، عفوا أقصد الإيبولا قرر أن يعاكسنا ويقسو علينا كما يفعل بنا الزمن دائما، فشاء أن يقتل الآلاف في أيام معدودة، وإستطاع أن يعبر القارات فوصل إلى أمريكا وإسبانيا. وما دمنا نستورد كل شيء من إسبانيا و أمريكا فمن المحتمل أن نستورد هذا المرض أيضا. لذلك قام وزير الصحة بتقديم نصيحة صحية لزميله وزير الشباب والرياضة بأن يطلب هذا الأخير من الاتحاد الإفريقي بتأجيل موعد كأس الأمم الإفريقية المقرر تنظيمه بداية السنة القادمة، منطلقاً من فكرة أنّ التجمعات البشرية الكبيرة يمكن أن تنقل المرض بسرعة كبيرة خاصة في ظل وجود منتخبات تنتمي إلى غرب إفريقيا، مهد الإيبولا! وطبعاً فحكمة السيد عيسى حياتو جعلته يتأنى في الرد على المغرب وقرر إعطاء مهلة حتى 2 نونبر، لكنه في الوقت ذاته بدأ يتصل بدول إفريقية يمكنها تنظيم البطولة بدل  من المغرب فإذا به يصطدم برفض الجزائر، مصر، السودان وجنوب إفريقيا!! الأمر الذي سيجبر الإتحاد على قبول طلب المغرب بالتأجيل خاصة وأن أندية أوروبية تدخلت على الخط لتأييد طلب المغرب، طبعاً ليس حباً فينا أولنا ولكن خوفاً على لاعبيها الأفارقة من أن تنقل لهم عدوى المرض!
قد يكون الشعب المغربي غير موافق على تأجيل هذه التظاهرة الرياضية لأنه إنتظر كثيراً ليستمتع بمتابعتها على أرضه، ولكني مـتأكد أن الناخب الوطني، بادو الزاكي، هو أكثر المؤيدين لقرار التأجيل لانها الطريقة الوحيدة أمامه لتشكيل منتخب قوي قادر على مواجهة منتخبات قوية كالجزائر وتونس وغانا…أما وأن تلعب البطولة في موعدها فنحن أمام حقيقة تكرار سيناريو النسخ السابقة بعدم تجاوز الدور الأول حتى وإن كانت هذه المرة فوق أرضنا وبين جماهيرنا..
ارفعوا أيديكم للسماء واطلبوا التأجيل !

القنب الهندي…جوكير السياسيين المغاربة

بقلم: عبدالسلام المساتي
طفا على سطح النقاشات مرة أخرى موضوع تقنين القنب الهندي بعدما تقدم حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة بمقترح قانون يهدف إلى تقنين هذه الزراعة مع إمكانية استعمالها لأغراض طبية وأغراض أخرى مشروعة..هذا المقترح خلف ردود فعل مختلفة داخل المجتمع المغربي بين مؤيد للفكرة وبين رافض لها وبين آخرين لا يفهمون ما المقصود بفعل التقنين، اختلفت الرؤى من فئة إلى أخرى، فرؤية المثقف ليست هي رؤية رجل الدين،ورؤية السياسي ليست هي رؤية رجل الاقتصاد…لكن ما بهمنا نحن هو رؤية المزارعين أنفسهم، لذلك كان لا بد أن أتوجه إلى منطقة كتامة.
ها أنا إذن أكتب مقالي من قلب جبال كتامة ،هنا لا صوت يعلو فوق صوت القنب الهندي ،ليس لمونديال الأندية ،ولا لمهرجان الفيلم بمراكش ولا للأحداث بسوريا أن تتخذ مكانا على ألسن الساكنة بهذه المنطقة، فالحديث الوحيد والأوحد هو المتعلق بمسألة تقنين القنب الهندي. بالأسواق كما بالمقاهي وكما بالمساجد لا يلتقي الشخصان الاثنان إلا وسأل احدهما الأخر :”هل سمعت بمسألة تقنين العشبة؟” فيجيبه الآخر :”سمعت ولكني لم افهم”
هنا يكمن الخلل، فأصحاب مقترح التقنين لم يفتحوا حوارا مع من يعنيهم الأمر بالدرجة الأولى أي الفلاحين الصغار ،ولكنهم في المقابل صاروا يعقدون الندوات واللقاءات ليشرحوا المقترح لأساتذة ومحامين لا علاقة لهم تمتما بالمسألة إلا كونهم مغاربة. والغريب في الأمر أو ربما الخطير في الأمر هو أنه مجموعة كبيرة من المزارعين يعتقدون أن التقنين يعني السماح لهم بان يتاجروا في القنب الهندي(الكيف والحشيش)بكل حرية ودون أن يتم توقيفهم أو متابعتهم قانونيا وكأنهم يتاجرون في القمح أو الزيتون! إنها بساطة هؤلاء الناس ورغبتهم في حياة أفضل هي ما تدفعهم إلى تفسير الأمور على هواهم، فهم لا يتصورون حياتهم دون هذه النبتة خاصة وأنهم يؤكدون جميعا أن الأرض بهذه المنطقة لا تصلح لزراعة أي شيء أخر بسبب المناخ البارد جدا والمر فوق بتساقطات ثلجية وموجات صقيع متواصلة، وهذا هو ما يفسر تأخير زراعة هذا المنتوج إلى أواخر شهر مارس على أن يتم الحصاد في أواخر شهر غشت…وفي هذا الإطار أكد لي بعض المزارعين على أنهم جربوا مجموعة من الزراعات البديلة كالقمح، العدس ، الحمص ، الذرة والبطاطا…لكن كان الإنتاج ضعيفا جدا خاصة وأن هذه الزراعات تحتاج إلى كميات مائية مضاعفة من تلك التي يحتاجها الكيف، مع العلم أن المنطقة تعتمد على مياه الأمطار بالدرجة الأولى…أقصد منطقة كتامة التي ارتبط اسمها على الدوام بالكيف ،فلا أعتقد انه يمكنك أن تسأل مغربيا عما يعرفه عن كتامة دون أن يجيبك بتلقائية أنها عاصمة الحشيش والغنى الفاحش! ! ولكن الحقيقة التي اكتشفناها بزيارتنا إلى هناك مختلفة تماما ، لقد أدركنا عن قرب معاناة وبؤس الأهالي الذين لا يختلفون كثيرا في أحوالهم عما يعيشه أهل أنفكو وباقي مناطق المغرب غير النافع حيث لا وجود للمستشفيات ولا للمدارس ، وحتى وإن وجدت هذه الأخيرة فإنها تكون بعيدة جدا ولا تتوفر إلا على قسمين أو ثلاثة تخصص لتدريس جميع المستويات، ويتخذ التلاميذ من ساحاتها مرحاضا ما دامت المراحيض غير متوفرة..أما شباب المنطقة فتائه بين تعاطي المخدرات وانتظار الوهم بالمقاهي في ظل غياب المشاريع الاستثمارية التي يمكن أن تجذب إليها هؤلاء الشباب وتوفر لهم حياة أفضل..فالمنطقة قبل كل شيء تحتاج الى مقاربة تنموية وبعدها يمكن مناقشة مقاربات أخرى.أما أن يتم استخدام ملف القنب الهندي كذريعة للتحقيق أعراض سياسية انتخابوية هو أمر ليس من الوطنية في شيء!

مدرسة العبث

بقلم : عبدالسلام المساتي
لم يكن لمدرستي اسم رسمي ،ربما كان بأوراقهم فقط ،لم يكن مخطوطا على باب المدرسة ولا على جدرانها أي اسم . كانوا وكنا نسميها “مدرسة دلم الحانوت” دون أن أدري ما معناه ولا بأي لغة هو منطوق، تقع على بعد خمسين مترا من المسجد و ثلاثين مترا من حانوت عمي عبدالرحمن…لا أسوار تحيط بها ، شيء كالطريق يفصل بين الأقسام الخمسة ،وساحة صغيرة تصلح لكل شيء حتى للبول و الخراء. كان بمدرستي مطعم أيضا يقدم وجبة السردين يومي الأربعاء والجمعة ،ويقدم العدس بباقي الأيام، لم يسبق لي أن ولجته لأن أمي كانت توصيني دائما بألا آكل هناك حتى لا أصاب بضرر..لا أحد من أصدقائي أصيب بضرر رغم أنهم كانوا يلجون المطعم كل يوم، تقوت أجسادهم و بقيت أن نحيلا بعدما أصابني مرض بالكلي .لم آكل فمرضت، أكلوا فتقووا..مرضت فرسبت بالسنة الثانية …تعلمت أن الجوع سبب الأمراض وسبب الفشل…!لن أسكت عن الجوع، سأحتج لآكل…
كان بمدرستي ست معلمين ،خمسة منهم مستوردين من فاس،والآخر مستورد من خنيفرة. هذا الخنيفري كانت ملامح وجهه قاسية كقسوة الجو بمدينته، يحلق لحيته كل جمعة فيبدو وسيما دون أن تختفي ملامح القسوة ،يحدثنا عن نفسه وحياته أكثر من تعليمنا أبجديات اللغة الفرنسية التي يجيدها كما يجيد الرياضيات . أدركنا من حديثه المتكرر عن نفسه أن حاصل على الإجازة في علم ما من جامعة ما وكان يحلم بأن يشتغل كمدرس بالثانوية لكنهم طلبوا منه رشوة سمينة لتشغيله بالثانوية .لم نسأله من طلب منه هذه الرشوة لأننا لم نكن نفهم ما يعنيه .يحقد عليهم ، أحيانا يشتم أصلهم و أمهم و أحيانا يصفهم بالكلاب…لم يكن يجبرنا على جلب البيض و الخضر له،ويكتفي بإجبارنا على ملء قنينات الماء من بئر يقع وسط المسجد القريب،كنا نملؤها ونحملها إلى غرفته الصغيرة التي منحته إياها وزارة التعليم، كانت غرفة مظلمة جدا لذلك لم أستطع في يوم أن أميز ما بداخلها…نضع القنينات أمام الباب وننقلب عائدين فيأتينا صوته هادئا يقول “:فان كيو” ندير وجوهنا صوبه فنجد أن ملامح القسوة اختفت عن وجهه..فنتأكد أن تلك “الفانكيو” تعني شيئا ما مفرحا..
لاحقا أدركنا أنها “ثانكيو” التي كنا نعلم أنها تعني شكرا التي لم نعتد على سماعها من أحد ،كنا في نظر معلمينا و أبائنا مجرد أطفال مختصرين في كلمة” براهش” نصلح فقط لتلبية أشيائهم و طلباتهم.
الدروس بمدرستي لم تكن دروسا ،كانت جحيما بالنسبة لي أنا البر هوش ،كان درس القراءة يلقن بالشتم ،ودرس القرآن بالضرب ،ودرس الفرنسية بالفلقة….كان الرعب يتملكني و أنا أغادر حضن أمي في اتجاه المدرسة، تبولت في سروالي خوفا أن أطلب من معلمي السماح لي بالتوجه للمرحاض الذي لا يوجد ،كانت الساحة مرحاضا لنا.
تكرر تبولي…